التمهيد – سلسلة ألف ليلة وليلة
انطلاقًا من رسالة الكون العربي بوصفه صفحة تهتم بالعلماء العرب وأمهات الإنجازات في شتّى ميادين الحضارة، وباعتبار العرب من أكثر الأمم إسهامًا في النهضة الإنسانية الحديثة؛ كان لزامًا علينا أن نبيّن أن هذا النهج لا يزال قائمًا كما بدأ، من عرض سير العلماء البارعين، ورواة الحكمة، وصنّاع المعرفة الذين زخرت بهم قرون الأمة الماضية.
لكن… وبينما نخوض في ميادين العلم والتاريخ، كان لا بد أن نلتفت أيضًا إلى مجال الأدب؛ هذا الفن الذي كان العرب من أوائله، ومن أكثر الأمم إبداعًا فيه وصناعةً لبيانه وبلاغته.
وحين أردنا أن نضع أقدامنا على صخرة راسخة في هذا الباب، وجدنا أنفسنا أمام بحر زاخر لا ينتهي: آلاف الموضوعات، بل عشرات الآلاف، وموسوعات ضخمة من القصص والسير والأساطير. فكان واضحًا أن أي محاولة للإحاطة بكل ذلك ستعجز مهما طال النفس.
ومن هنا ولدت الفكرة:
أن نبدأ البداية الأجمل، والأسهل، والأقرب إلى قلب القارئ…
أن نلج عالم حكايات ألف ليلة وليلة؛ هذا العمل الذي جمع بين فن السرد العربي والعجائبية الشرقية وحكمة الشعوب من الهند إلى الصين، ومن العرب إلى الفرس والساسان.
اخترنا هذا العمل لسببين اثنين:
-
شهرته الواسعة التي لا يجهلها أحد؛ فمن منّا لم يقرأ ولو طرفًا من قصص شهرزاد؟
-
حضوره الدائم في الوجدان العربي الحديث، سواء في الدراما الصوتية التي عرفناها منذ أكثر من ثلاثين عامًا، أو في المسلسل الرمضاني الشهير عام 2015، أو غيره من الأعمال التي أعادت رسم عالم الملك شهريار والأميرة شهرزاد، وأوردت النهاية السعيدة بعد تمام الليالي الألف.
لكن…
هل تعلم يا صاح ما الذي دار حقًا في تلك الليالي؟
فالألف ليلة أمر عظيم، وفيها ذكرٌ لقصص العرب، وأخبار ملوك العجم، وحِكايات الساسان، وعجائب الهند والصين، وما في الأرض من أعاجيب وأسفار وأقدار.
وقبل أن نبدأ السرد، وجب أن ننبه إلى أمرين وقعت فيهما معظم الأعمال التي تناولت "ألف ليلة وليلة" في السينما والدراما:
أخطاء جسيمة في التسلسل والأحداث والمصادر الأصلية.
وسنكشف لك ذلك — بلا إطناب ممل ولا اختصار مُخل — لتتذوق حلاوة الحكاية الأصلية كما جاءت في مصادرها التراثية.
فاستعد يا صاح…
فبعد قليل نغوص معًا في البدايات، لنفتح صفحة من صفحات ذلك العالم الساحر، ولتنهمر علينا الحكايات ليلةً بعد ليلة، كأنك تسمع شهرزاد نفسها وهي تروي بصوتها:
"بلغني أيها الملك السعيد…"
